
تسجيل الدخول
جهنم
حاولت كثيرًا وأنا أكتب هذه الكلمات أن أُخفي رعبي من هول الغضب والعذاب الأبدي في جهنم، ولكن ما زاد رعبي وجعلني أبدأ بهذه الكلمات هو محاولة الكثيرين خداع الناس ووهمهم، وذلك بالتقليل من خطورة العذاب الأبدي، وتخيُّل أمور عكس ما وردت صراحة في كلمة الله. ولعل خطورة ”اللعب بالنار“ لا تُذكَر بالمقارنة باللعب ”بالنار الأبدية“.
للآسف، ما أكثر الأفكار الخاطئة التي تخص جهنم، ولكننا لن نذكر جميع هذه الأخطاء في هذا المقال، إذ يُدحَض الكثير منها بمجرد القراءة الواعية لآيات الكتاب المقدس التي تتحدث عن هذا الموضوع، ولكننا سنركز على أشهر خطأ في هذه الأيام، وهو خطأ مزدوج:
الجزء الأول من الخطإ: أن الله لا يُعاقب الإنسان، ولا يُرسله إلى جهنم، بل الإنسان هو الذي يختار الذهاب إلى هناك عندما يرفض الله.
الجزء الثاني من الخطإ: نوع العذاب في جهنم نفسي وليس حرفي، فالله لا يتسبب في أي ألم للإنسان في جهنم، بل كل ما يشعر به الإنسان من ألم هو نتيجة انفصاله عن الله كمصدر الحياة والحب والنور، بالإضافة إلى آلام تبكيت الضمير على الشر المُرتَكَب في الماضي ضد أخيه الإنسان.
ولهذا علينا أن نفحص جزأي الخطإ في ضوء ما أعلنه الكتاب، حتى نخرج بتعليم صحيح يخصّ جهنم، مع الوضع في الاعتبار أنه لا توجد آيات في الكتاب يمكن إساءه تفسيرها، حتى نستنتج الخطأ سابق الذكر، بل هو نتيجة تخيلات وأماني بشرية ليس إلا:
الجزء الأول من الخطأ:
أن الله لا يعاقب الإنسان، ولا يرسله إلى جهنم
قبل أن نبدأ في الرد على هذا الادعاء، علينا أن نرد أولاً على سبب الادعاء:
سبب الادعاء
كيف يكون للإنسان حرية الإرادة، في حين أنه يملك اختيارًا واحدًا، وهو الله فقط، حيث يرتبط الاختيار الثاني بالتهديد بالنار والكبريت.
الرد على سبب الادعاء
الكتاب المقدس لا يعلِّم بأن سبب الذهاب إلى الجحيم هو رفض اختيار الله، بل يذكر السبب واضحًا في رؤيا ٢٠ وهو يصف المحاكمة أمام العرش العظيم الأبيض «وَدِينَ الأَمْوَاتُ مِمَّا هُوَ مَكْتُوبٌ فِي الأَسْفَارِ بِحَسَبِ أَعْمَالِهِمْ ... وَدِينُوا كُلُّ وَاحِدٍ بِحَسَبِ أَعْمَالِهِ» (رؤ٢٠: ١٢، ١٣). فستظهر أعمال الجميع، وكل واحد عليه أن يعطي حساب أعماله، وأجرة الخطية موت (رو٦: ٢٣). فمن رفض عمل المسيح ورفض الغفران المجاني وسداد الحساب، عليه أن يدفعه بنفسه، ولهذا «كُلُّ مَنْ لَمْ يُوجَدْ مَكْتُوبًا فِي سِفْرِ الْحَيَاةِ طُرِحَ فِي بُحَيْرَةِ النَّارِ» (رؤ٢٠: ١٥). فالدينونة على أساس الأعمال التي عملها الإنسان. وهذا لا يتعارض مع حرية الإنسان، فمبدأ وجود قائمة بأسعار المنتجات لا يتعارض مع حرية الإنسان، فهو بحريته يختار المنتج الذي يريد شراءه، ولكنه مُلزَم في الوقت نفسه أن يدفع ثمن هذا المنتج كاملاً، دون أن ينتقص الإلزام بالدفع شيئًا من حريته.
الرد على الادعاء نفسه
يوضِّح الكتاب أن جهنم عقاب للإنسان، وليس مجرد نتيجة لاختياره رفض الله. وعلينا أن ننتبه أن أكثر من تكلم عن ”جهنم“ في الكتاب ليس الناس المتشددين المتحجرين - كما يدعي البعض - بل هو الرب يسوع نفسه، فهو ذكرها ١١ مرة من مجموع ١٢ مرة* في الكتاب المقدس. ولقد تكلَّم الرب عن جهنم أكثر مما تكلَّم عن السماء، وهو بالتأكيد فعل هذا بدافع الحب، إذ أراد أن يعلن الحقيقة كاملة للإنسان. وعندما تكلَّم الرب عن جهنم، تكلم عنها كعقاب على خطايا، وليس كنتيجة لرفض الله، فهو الذي عَلَّم قائلاً: «مَنْ قَالَ (لأخيه): يَا أَحْمَقُ، يَكُونُ مُسْتَوْجِبَ نَارِ جَهَنَّمَ» (مت٥: ٢٢)، كما علَّم أن خطايا ”العين واليد والرجل“، تُعاقَب بالطرح في جهنم (مر٩: ٤٣-٤٧). بالإضافة إلى أنه أعلن صراحة عن الله أن «له سُلْطَانٌ أَنْ يُلْقِيَ فِي جَهَنَّمَ» (لو١٢: ٥)، وعلى أساس هذا السلطان، سيتم طرح الوحش والنبي الكذاب مستقبلاً في بحيرة النار(رؤ١٩: ٢٠)، وكذلك كل من لم يوجد مكتوبًا في سفر الحياة (رؤ٢٠: ١٥).
الجزء الثاني من الخطإ:
نوع العذاب في جهنم نفسي وليس حرفي
أيضًا، قبل أن نبدأ في الرد على هذا الادعاء، علينا أن نرد أولاً على سبب الادعاء:
سبب الادعاء
كيف لله المحب الرحيم الغفور أن يتسبب في كَمَّ هذه الآلام المبرحة للبشر؟
الرد على سبب الادعاء
نحن لا ننكر محبة الله ورحمته، ولكن لا يمكن أن تكون قداسته وعدله أقل من رحمته ومحبته، وإلا شاب الله النقصان والعيب وعدم الكمال؛ وهو المستحيل بعينه. والصليب هو الحل الوحيد لهذه المعضلة، إذ فيه يُقدِّم الله كل الحب ويتمسك بكامل عدله في الوقت نفسه! وعندما يرفض الإنسان عمل الصليب، هو يرفض يد الله الممتدة بالحب والرحمة، وعليه أن يقابل الله في كامل عدله وقداسته. لن يرضى الله القدوس العادل بوجود خطية غير مُدَانة وغير محكوم عليها، فخطايا المؤمنين قد كُفِّر عنها بعمل الصليب (رو٣: ٢٥)، ولكن تبقى خطايا الأشرار غير مُدانة، ولا يمكن لله أن يستريح في مشهد ما زالت فيه الخطية، ولا سبيل لإدانتها بطريقة عادلة إلا بدينونة أبدية، توفي العدالة تمامًا. وهكذا يتحقق ما قاله الرب: «لأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ يُمَلَّحُ بِنَارٍ» (مر٩: ٤٩).
وعندما رأي الله الخطية موضوعة على ابنه، برغم كونه بارًا في ذاته (إش٥٣: ١٢)، لم يتغاضَ عنها تحت أي مبرِّر، بل تعامل بكل قداسة (مز٢٢: ١-٣)، ونسمع القول المرعب «اِسْتَيْقِظْ يَا سَيْفُ عَلَى رَاعِيَّ، وَعَلَى رَجُلِ رِفْقَتِي، يَقُولُ رَبُّ الْجُنُودِ. اِضْرِبِ الرَّاعِيَ» (زك١٣: ٧)، فكيف يتساهل الله بعد هذا مع الخاطئ، بعدما احتقر النعمة المقدَّمة له؟! ولماذا يُطالب الإنسان برحمة الله في جهنم، ويرفض في ذات الوقت رحمته طوال حياته على الأرض؟!
الرد على الادعاء نفسه
سنركز في الرد على هذا الادعاء، على توضيح ثلاثة أمور رئيسية:
اللغة الرمزية
عندما نتكلم عن «النَّارِ الأَبَدِيَّةِ الْمُعَدَّةِ لإِبْلِيسَ وَمَلاَئِكَتِهِ» (مت٢٥: ٤١)، وعن «دُودُهُمْ لاَ يَمُوتُ وَالنَّارُ لاَ تُطْفَأُ» (مر٩: ٤٤)، نحن لا نقصد بالطبع نيران حرفية ودود حرفي، لأن النيران الحرفية لا تؤثر في إبليس وملائكته لأنهم أرواح، وكذلك الدود أيضًا، فهي بالطبع لغة رمزية. ولكن هل كونها رمزية تعني أنه لن يوجد بالفعل مصدر للألم في جهنم؟! أم أنَّ الرمز دائمًا صورة مصغَّرة للمرموز إليه؟ فإن كان الرمز هو نيران، فما أشد وأرهب الحقيقة. ودعنا لا ننسى أن هدف التعليم عن النيران الأبدية ليس بالطبع شرح طريقة العذاب في حد ذاتها، على قدر توضيح يقينية العذاب المروع. وليفهم القارئ أن ليس الهدف هو إنكار العذاب النفسي، فما أشده عندما يستيقظ الضمير للأبد، وربما هذا ما يشير إليه الدود الذي لا يموت. ولكن لا يمكن اقتصار العذاب فقط على كونه مجرد عذاب الضمير.
فعندما تكلم الرب عن بحيرة النار والكبريت استخدم الكلمة اليونانية ”جينا γέεννα geenna“ المُترجَمة ”جهنم“، وهي مأخوذة من ”وادي ابن هنوم“، وهو مكان بالقرب من أورشليم معروف بالعذاب الشديد، حيث كان يعبِّر الناس بنيهم في النار في هذا الوادي ترضية للآلهة الوثنية، مثلما فعل منسى (٢أخ٣٣: ٦). فإن كان الرمز هو الحرق حيًّا، هل المرموز إليه أقل ألمًا من ذلك؟! وهل يُعقَل أن تكون جهنم الحقيقية أقل رعبًا وألمًا من وادي ابن هنوم؟!
الجسد والنفس
إذا كان العذاب مجرَّد عذاب نفسي روحي، فما لزوم قيامة الأموات، حيث أن الكتاب يؤكِّد أنه توجد قيامة للأبرار والأشرار على السواء: «تَأْتِي سَاعَةٌ فِيهَا يَسْمَعُ جَمِيعُ الَّذِينَ فِي الْقُبُورِ صَوْتَهُ، فَيَخْرُجُ الَّذِينَ فَعَلُوا الصَّالِحَاتِ إِلَى قِيَامَةِ الْحَيَاةِ، وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ إِلَى قِيَامَةِ الدَّيْنُونَةِ». (يو٥: ٢٨، ٢٩). «سَوْفَ تَكُونُ قِيَامَةٌ لِلأَمْوَاتِ، الأَبْرَارِ وَالأَثَمَةِ» (أع٢٤: ١٥).
وما هي القيامة سوى اتحاد الأرواح بالأجساد؟ فكما يلبس الأبرار أجسادًا تلائم السماء، كذلك يلبس الأشرار أجسادًا تلائم جهنم، ما أسهل أن يرسل الله الأرواح مباشرة لجهنم دون قيامة، ولكنه لن يفعل ذلك دون أن يتحد الجسد بالروح، وهذا ما أعلنه الرب نفسه صراحة: «يُهْلِكَ النَّفْسَ وَالْجَسَدَ كِلَيْهِمَا فِي جَهَنَّمَ» (مت١٠: ٢٨)، مما يؤكد أن العذاب يؤثر على النفس والجسد معًا.
طابع العذاب
يصف الكتاب مَنْ في بحيرة النار والكبريت: «وَإِبْلِيسُ الَّذِي كَانَ يُضِلُّهُمْ طُرِحَ فِي بُحَيْرَةِ النَّارِ وَالْكِبْرِيتِ، حَيْثُ الْوَحْشُ وَالنَّبِيُّ الْكَذَّابُ، وسَيُعَذَّبُونَ نَهَارًا وَلَيْلاً إِلَى أَبَدِ الآبِدِينَ» (رؤ٢٠: ١٠). فهذا العذاب يشعر به البشر (كالوحش والنبي الكذاب) والأرواح الشريرة (كإبليس) على السواء. وكلمة ”يُعَذَّبُونَ“ جاءت باليوناني ”باسانيدزو، βασανίζω، basanizō“ ولقد جاءت نفس الكلمة في الكتاب مرات عديدة لتصف آلام مختلفة، مثل: ألم الولادة (رؤ١٢: ٢)، وألم الغلام المفلوج (مت٨: ٦)، وعذاب التلاميذ في الجذف (مر٦: ٤٨) ... إلخ. ولم تأتِ هذه الكلمة ولا مرة لتصف آلام الضمير أو آلام البعد عن الله.
وهذا العذاب يخافه الشيطان كما الإنسان، فعندما قابل مجنونا كورة الجدريين الرب، صرخا قائلين: «مَا لَنَا وَلَكَ يَا يَسُوعُ ابْنَ اللهِ؟ أَجِئْتَ إِلَى هُنَا قَبْلَ الْوَقْتِ لِتُعَذِّبَنَا؟» (مت٨: ٢٩). فكان كل خوفهم أن يُرسلهم إلى جهنم، ولذلك قالا: ”قَبْلَ الْوَقْتِ“ واستخدما نفس كلمة العذاب ”باسانيدزو، βασανίζω، basanizō“ مما يعني أن الشيطان نفسه يخاف هذا العذاب، فكم وكم ينبغي أن يخاف منه الإنسان!
ويتضح من كل ما سبق، أن جهنم هي عقوبة، يلقي الله الأشرار فيها، وليست مجرد حالة تحدث لمن رفض اختيار الله، وأن العذاب في جهنم لا يقتصر فقط على عذاب البعد عن الله، أو عذاب الضمير، بل يشمل أيضًا ألمًا حقيقيًا يشعر به الإنسان من عوامل خارجه، لا نعرف بالضبط كنهها الآن، ولكنه مرموز إليه بالنيران.
وهكذا نجد الخلاصة، أنه لا مفر من جهنم:
لا يمكن لله أن يلغي جهنم أو يطفئ لهيبها كما يتمنى الكثيرون، دون أن يصبح الله شريكًا راضيًا بالشر.
ولا يمكن للإنسان أن يجد مفرًا من جهنم سوى بالاحتماء بصليب المسيح.
ويبقى واجبنا: «فَإِذْ نَحْنُ عَالِمُونَ مَخَافَةَ (رعب) الرَّبِّ نُقْنِعُ النَّاسَ» (٢كو٥: ١١). فالإنسان يحتاج أن يخاف من جهنم، وهكذا كان يُعلِّم المسيح، وهكذا علينا نحن أن نُعلِّم.
يوسف عاطف
ربنا يباركك موضوع مهم 😍 😍 😍
Latest Post: يا خادم المسيح لاحظ نفسك Our newest member: jo Recent Posts Unread Posts Tags
Forum Icons: Forum contains no unread posts Forum contains unread posts
Topic Icons: Not Replied Replied Active Hot Sticky Unapproved Solved Private Closed